الكحول الميثيلي يقتل 9 أشخاص في الأردن.. ما هو وكيف يسبب التسمم؟
الكحول الميثيلي تصدر حديث الأردنيين والعالم العربي صباح اليوم، بعد الإعلان عن وفاة 9 أشخاص وإصابة 17 آخرين إثر حادثة تسمم جماعي بسبب تناولهم مشروبات كحولية مغشوشة تحتوي على الميثانول السام. حادثة مؤلمة أعادت النقاش الطبي والقانوني والمجتمعي حول مخاطر الكحول الميثيلي، وأسباب الغش التجاري الذي يحول هذه المادة القاتلة إلى موت بطيء لمن يتعاطاها دون وعي أو رقابة.
في هذا التقرير الموسع، نكشف لكم ما هو الكحول الميثيلي بالتفصيل العلمي والطبي، كيف يستخدم صناعيًا؟ ولماذا يعد شربه خطرًا قاتلًا على الإنسان؟ كما نحلل خلفيات حادثة الأردن الأخيرة، والإجراءات الحكومية والطبية الطارئة لعلاج المصابين، إضافة إلى الرؤية المستقبلية لمنع تكرار هذه الكوارث المؤلمة التي تهز المجتمع والضمير الإنساني.
حالة من الحزن والغضب عمّت الأردن منذ أمس، بعد الإعلان عن ارتفاع عدد وفيات حادثة التسمم بالميثانول إلى 9 حالات مؤكدة، إضافة إلى 17 إصابة بعضها حرجة جدًا وفق بيانات وزارة الصحة. فيما لا تزال التحقيقات الأمنية جارية للقبض على جميع المتورطين في توزيع الخمور المغشوشة المسببة للموت.
فما هي القصة الكاملة؟ ولماذا يعتبر الميثانول أكثر أنواع الكحول خطورة؟ وما الفرق بينه وبين الكحول الإيثيلي المستخدم طبيًا ودوائيًا؟
هنا تجد الإجابات الشاملة مدعومة بتحليل علمي وطبي واجتماعي، مكتوبة بأسلوب مهني جذاب يهدف إلى رفع الوعي وإنقاذ الأرواح.
ما هو الكحول الميثيلي (الميثانول)؟
الكحول الميثيلي، أو الميثانول (Methanol)، هو سائل عديم اللون ذو رائحة نفاذة مميزة، ويُعرف أيضًا باسم “كحول الخشب” لأنه كان يُنتج قديمًا بتقطير الخشب الجاف. الميثانول مادة كيميائية صناعية تُستخدم بشكل واسع كمذيب عضوي، وفي صناعة الدهانات والورنيش والمبيدات، كما يدخل في تركيب الوقود الحيوي والمواد البلاستيكية.
ورغم تشابه رائحته وطعمه مع الكحول الإيثيلي (الإيثانول) المستخدم في المشروبات الروحية والطب، إلا أن الميثانول شديد السمية للإنسان حتى بكميات قليلة. حيث يؤدي تناوله إلى تلف دائم في العصب البصري، وقد يسبب العمى الكامل أو الفشل الكلوي أو الوفاة خلال ساعات إذا لم يتم التدخل الطبي السريع.
كيف يحدث تسمم الكحول الميثيلي؟
عند دخول الميثانول إلى الجسم، يتم استقلابه في الكبد إلى مادة “الفورمالديهايد” ثم إلى “حمض الفورميك” وكلاهما شديد السمية. تؤدي هذه المركبات إلى تثبيط الجهاز العصبي المركزي، وزيادة حموضة الدم بشكل خطير، ما يؤدي إلى فشل الأجهزة الحيوية، خاصة الدماغ والكلى والعينين.
أعراض التسمم بالميثانول تظهر خلال ساعات قليلة، وتشمل:
- دوخة وصداع شديد
- غثيان وقيء وآلام في البطن
- اضطرابات بصرية قد تصل إلى العمى الدائم
- صعوبة في التنفس
- تشنجات وفقدان الوعي
- الوفاة بسبب توقف التنفس أو فشل الأعضاء
سبب تسمم أشخاص في الأردن اليوم
أعلنت مديرية الأمن العام في الأردن صباح اليوم الاثنين عن ارتفاع عدد وفيات حادثة التسمم بالكحول الميثيلي إلى 9 حالات، إضافة إلى 17 إصابة بعضها حرجة جدًا، جميعهم تلقوا علاجًا طارئًا شمل غسيل الدم وتقنيات معقدة لتقليل مستوى السموم في الجسم.
وقال الدكتور عماد أبو يقين، مدير إدارة الشؤون الفنية في وزارة الصحة الأردنية، في تصريحات لقناة المملكة، إن التحاليل المخبرية أثبتت وجود الميثانول السام في العينات المأخوذة من المصابين. وأوضح أن مستشفى الزرقاء الحكومي استقبل ثلاث حالات كانت تعاني من ارتفاع حموضة الدم، وهو مؤشر خطير على التسمم المتقدم بالميثانول.
وأكدت الوزارة أن معظم الحالات تخضع للعلاج في مستشفيات محافظات الزرقاء وعمان والبلقاء، وسط حالة استنفار طبي كاملة.
ما الفرق بين الكحول الميثيلي والكحول الإيثيلي؟
الكحول الإيثيلي (الإيثانول) هو الكحول المستخدم طبيًا في التعقيم والمطهرات وصناعة الأدوية والمشروبات الروحية المرخصة، وهو أقل سمية بكثير من الميثانول، رغم أضراره الكبيرة عند الإفراط في الشرب.
بينما الكحول الميثيلي (الميثانول) هو مادة صناعية ممنوع تناولها بشريًا، وتعد قطرات قليلة منها قاتلة. لذلك، فإن خلط الميثانول بالمشروبات الكحولية يعد جريمة غش تجاري وجنائي تهدد حياة الإنسان مباشرة.
إجراءات طبية عاجلة لعلاج تسمم الميثانول
يعتمد علاج تسمم الميثانول على:
- إعطاء الإيثانول طبيًا (كعلاج) لأنه يتنافس مع الميثانول على الإنزيم المسؤول عن استقلابه، ما يبطئ إنتاج السموم.
- إعطاء دواء “فوميبزول” الذي يثبط أيض الميثانول إلى مركباته السامة.
- غسيل الدم لتنقية الجسم من الميثانول والفورمالديهايد.
- علاج الحماض الأيضي باستخدام بيكربونات الصوديوم.
لكن يظل عامل الوقت حاسمًا، فكلما تأخر التدخل الطبي زادت احتمالية الوفاة أو العمى الدائم.
التحقيقات الأمنية والقضائية في الأردن
أكدت مديرية الأمن العام الأردنية أن التحقيقات ما زالت جارية لضبط جميع الأطراف المتورطة في توزيع الخمور المغشوشة بالميثانول. كما شددت السلطات الصحية على ضرورة توخي الحذر وعدم تناول أي مشروبات مجهولة المصدر، لما تمثله من خطر داهم على حياة الإنسان.
كيف نحمي المجتمع من كوارث الكحول المغشوش؟
تتكرر حوادث التسمم بالكحول المغشوش في عدة دول عربية وآسيوية بسبب الغش التجاري وضعف الرقابة. ويرى خبراء الصحة العامة أن الحل الجذري يكمن في:
- تشديد الرقابة الصارمة على مصانع الكحول والأسواق.
- تغليظ العقوبات القانونية بحق من يخلط الميثانول بالخمور.
- توعية المجتمع بأضرار الكحول المغشوش والتمييز بين الإيثانول والميثانول.
- توفير حملات صحية دورية توعوية في المدارس والجامعات وأماكن العمل.
فقرة ختامية تحليلية: الكحول الميثيلي.. سم صامت يهدد أرواح الأبرياء
حادثة تسمم الأردن بالميثانول اليوم ليست مجرد رقم في نشرة الأخبار الصحية، بل جرس إنذار صادم على خطورة الاستهانة بحياة الناس. الكحول الميثيلي هو سم صامت، لا لون له ولا طعم يميزه عن الكحول العادي، لكنه يحول حياة متعاطيه إلى جحيم من العمى والشلل والوفاة.
وفي غياب الوعي المجتمعي والرقابة الحكومية الصارمة، ستظل هذه الحوادث تتكرر، حاصدة أرواح شباب وأباء وأمهات كل ذنبهم أنهم وثقوا في مشروب لم يعلموا أنه قاتل في زجاجة. ولعل أول خطوات المواجهة تبدأ بالتوعية والردع القانوني الحاسم، لحماية أبسط حقوق الإنسان: الحق في الحياة.
