الجرائم السوداء يونيو 2025: العراق يهتز بعد قتل شاب لوالده
28 يونيو 2025 – شهد العراق خلال يونيو الجاري تصاعدًا لافتًا في معدلات الجرائم العائلية، ضمن ما بات يُعرف محليًا بـ”الجرائم السوداء“، حيث اهتز الرأي العام مجددًا على وقع حادثة مروعة وقعت في محافظة الديوانية عندما أقدم شاب يعاني من اضطرابات نفسية على قتل والده بدم بارد وإصابة شقيقته بطلق ناري قبل أن يفر هاربًا إلى جهة مجهولة.
تفاصيل جريمة الديوانية.. الرصاصة القاتلة من يد الابن
بحسب ما أوردته وكالة “السومرية نيوز”، وقعت الجريمة في قضاء آل بدير بمحافظة الديوانية عندما أطلق شاب النار على والده، لتصيبه الرصاصة مباشرة في الرأس وترديه قتيلاً في الحال أمام مرأى عائلته، قبل أن يوجه سلاحه نحو شقيقته ويصيبها في ساقها، ثم يلوذ بالفرار دون أن يترك خلفه أي أثر.
وباشرت قوات الشرطة العراقية عمليات بحث وتحري مكثفة بالتنسيق مع الأجهزة الاستخبارية لملاحقة الجاني الهارب، كما فُتح تحقيق موسع في دوافع الجريمة وتاريخها الأسري، في محاولة لتحديد الأسباب النفسية والاجتماعية التي دفعت الشاب إلى ارتكاب هذه الجريمة المأساوية بحق أسرته.
الجرائم السوداء.. مصطلح عراقي لظاهرة آخذة بالتصاعد
يطلق العراقيون مصطلح “الجرائم السوداء” على سلسلة الجرائم العائلية التي هزت المجتمع خلال السنوات الماضية، وتشمل قتل الأبناء لآبائهم أو الأمهات لأطفالهن أو الإخوة لبعضهم البعض في ظروف صادمة، وغالبًا ما تكون مدفوعة بعوامل نفسية أو ضغوط اقتصادية واجتماعية قاهرة أو بسبب الإدمان.
ووفقًا لتصنيف موقع “نامبيو” لمؤشرات الجريمة عالميًا، حل العراق في المرتبة 80 عالميًا والثامنة عربيًا في معدلات الجريمة خلال عام 2024، وهي مرتبة مقلقة تعكس حجم الانفلات الأمني والاجتماعي وغياب الرقابة على السلاح والدواء والمخدرات، فضلًا عن التدهور الاقتصادي الذي يفاقم الأزمات الأسرية.
جريمة مروعة في بغداد.. مذبحة عائلية وقت الإفطار
في مارس الماضي، هزت العراق جريمة بشعة حين أقدم رجل في الأربعينيات من عمره على قتل زوجته وابنه وابنتيه داخل منزله في العاصمة بغداد وقت الإفطار، ثم سلّم نفسه للشرطة معترفًا بجريمته دون مقاومة.
التحقيقات أظهرت أن الجاني كان يعمل حارس أمن لدى أحد القضاة، وكان معروفًا بحسن سيرته وعدم ظهور أي مؤشرات سابقة على اضطرابات نفسية أو ميول عنيفة. هذه الجريمة سلطت الضوء مجددًا على خطورة الانفجار المفاجئ في السلوك العنيف للأشخاص دون مقدمات واضحة، ما يستدعي وفق خبراء علم النفس مراجعة شاملة لبرامج الصحة النفسية في العراق.
أسباب تصاعد الجرائم السوداء في العراق
يرى أخصائيون نفسيون واجتماعيون أن تفاقم ظاهرة الجرائم العائلية السوداء يعود إلى أسباب متراكمة أبرزها:
- غياب الرقابة على حيازة الأسلحة داخل البيوت العراقية.
- الانتشار الخطير للمخدرات بين الشباب والمراهقين دون مكافحة حقيقية.
- الضغوط الاقتصادية الحادة وارتفاع معدلات البطالة والفقر.
- التفكك الأسري والعنف المنزلي الممنهج ضد الأبناء أو الزوجات.
- غياب الرعاية النفسية والبرامج الوقائية داخل المدارس والمؤسسات المجتمعية.
جرائم يونيو 2025.. حوادث متسلسلة تنذر بالخطر
لم تقتصر الجرائم السوداء خلال يونيو الجاري على حادثة الديوانية، فقد شهدت مناطق متفرقة من العراق جرائم مشابهة:
- كركوك: شاب يطعن شقيقه حتى الموت إثر خلاف على الإرث العائلي.
- بغداد: زوج يقتل زوجته طعنًا بسكين المطبخ بعد مشادة كلامية تطورت إلى عنف مميت.
- نينوى: أم تقتل طفلتها خنقًا بسبب بكائها المستمر وفشلها في تهدئتها وفق اعترافاتها للشرطة.
هذه السلسلة السوداء من الجرائم تؤكد حجم الأزمة النفسية والمجتمعية العميقة التي يعيشها الشارع العراقي في ظل تراكم الحروب والصدمات والفقر، إضافة إلى انعدام الرعاية الصحية النفسية وانتشار خطاب العنف والسلاح.
الحلول الممكنة لمواجهة الجرائم السوداء في العراق
يشدد المتخصصون على ضرورة التحرك العاجل لمعالجة هذه الظاهرة الكارثية من خلال:
- سن قوانين صارمة للحد من حيازة السلاح العشوائي.
- تعزيز دور وزارة الصحة بإطلاق برامج وطنية لدعم الصحة النفسية.
- زيادة الدعم المالي للمؤسسات الاجتماعية والتربوية لحماية الأسر والأطفال.
- رفع وعي المجتمع بأهمية طلب المساعدة النفسية وعدم وصم المرضى النفسيين.
- تفعيل دور الإعلام الوطني في مناهضة العنف وتعزيز قيم التسامح داخل البيوت والمدارس.
ختامًا.. العراق بين العنف والأمل
ما حدث في الديوانية ليس حادثًا منفردًا بل هو مرآة لظاهرة اجتماعية آخذة بالتوسع إذا لم يتم احتواؤها سريعًا. لقد آن الأوان ليدرك المجتمع العراقي أن العنف داخل الأسرة أخطر من كل التهديدات الأمنية الخارجية، لأنه يهدم صرحًا مقدسًا هو العائلة التي تشكل نواة المجتمع كله. إن مكافحة الجرائم السوداء تبدأ من بيت صغير مليء بالحب والتفاهم والعلاج والدعم، قبل أي قوانين أو حملات أمنية.