صمت رسمي وغضب شعبي.. استقالة جاسم العميري تُشعل جدل القضاء في العراق

تعيش الساحة القضائية العراقية على وقع حدث غير مسبوق، بعد انتشار أنباء مؤكدة تفيد بتقديم القاضي البارز جاسم العميري، رئيس المحكمة الاتحادية العليا، استقالته من منصبه. وبين تأكيدات صحفية وصمت رسمي، تدور العديد من التساؤلات: هل كانت الاستقالة خيارًا طوعيًا؟ أم أن خلفها ضغوطًا سياسية أو صراعات داخلية تهدد استقلال القضاء العراقي؟

المصادر الإعلامية تداولت الخبر صباح الإثنين 23 يونيو 2025، بينما تصاعدت التفاعلات على منصات التواصل، في وقت لا تزال فيه المؤسسات القضائية الرسمية، وتحديدًا مجلس القضاء الأعلى، تلتزم الصمت تجاه واحدة من أخطر الأزمات القانونية في البلاد منذ سنوات.

في هذا التقرير الموسّع، نرصد حيثيات استقالة جاسم العميري، الخلفيات السياسية التي قد تكون وراء القرار، وأثر هذه الخطوة على التوازن الدستوري والمؤسسي في العراق، خاصة في ظل أزمة قائمة بين المحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز الاتحادية.

مصادر صحفية: استقالة جاسم العميري رسميًا

بداية القصة جاءت من تغريدة نشرها الصحفي وعضو نقابة الصحفيين العراقيين، عباس العرداوي، عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، أعلن فيها أن القاضي جاسم العميري قدّم استقالته رسميًا من رئاسة المحكمة الاتحادية، دون الإشارة إلى تفاصيل إضافية.

ولم تمضِ ساعات حتى أكدت وكالة “المعلومة” العراقية الخبر، مستندة إلى مصادر مطلعة، أشارت إلى أن الاستقالة وصلت بالفعل إلى الجهات المختصة، مع التذكير بعدم الكشف عن الأسباب بشكل رسمي.

الشرق: الرئيس العراقي رفض اقتراحًا من العميري قبل يوم من الاستقالة

ما أعطى بعدًا أكثر حساسية للخبر، هو ما نشرته صحيفة “الشرق” في تقرير لها بتاريخ 22 يونيو 2025، أكدت فيه أن رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رفض طلبًا قدمه العميري لحل الأزمة القضائية القائمة بين المحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز.

الطلب الذي حمل اقتراحًا بتدخل ائتلاف “إدارة الدولة” لإعادة التوازن إلى الهيكل القضائي، قوبل بالرفض من الرئاسة، مما اعتبره مراقبون دافعًا مباشرًا لتقديم الاستقالة، خاصة أن العميري لم يكن يملك هامشًا واسعًا للحل دون دعم سياسي مباشر.

التحليل السياسي: هل العميري ضحية لصفقة أكبر؟

عدد من المحللين يرون أن استقالة العميري لم تكن قرارًا منفردًا، بل جاءت في سياق ترتيبات أوسع ضمن موازين القوى في الدولة. حيث يشير البعض إلى أن المحكمة الاتحادية كانت تعيق مشاريع قوانين لصالح قوى سياسية نافذة، وأن العميري وقف حجر عثرة أمام تمرير قرارات برلمانية مثيرة للجدل.

في المقابل، تؤكد أطراف أخرى أن الاستقالة جاءت بعد حملة ضغط مدروسة، هدفها إضعاف المحكمة الاتحادية أو إعادة تشكيلها بطريقة تضمن ولاءًا سياسيًا مباشرًا، خاصة في ظل الحديث عن تعديلات محتملة في الهيكل القضائي العراقي.

لماذا تُعد المحكمة الاتحادية مركز الصراع؟

المحكمة الاتحادية العليا ليست مجرد محكمة دستورية، بل هي المرجع الأعلى في تفسير الدستور، وتحديد صلاحيات البرلمان والحكومة، والبت في النزاعات الدستورية بين الأقاليم والحكومة المركزية. وهو ما يجعلها هدفًا دائمًا للتأثير السياسي.

ومع تفاقم الخلافات داخل البنية القضائية، خاصة بين المحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز، أصبحت هذه المؤسسة في عين العاصفة، خصوصًا مع غياب أدوات تحكيم مؤسسية فعالة قادرة على الفصل بين صلاحيات الجهات القضائية المختلفة.

غياب بيان رسمي: ارتباك مؤسساتي أم محاولة امتصاص الصدمة؟

اللافت في سياق هذه الأزمة أن مجلس القضاء الأعلى لم يُصدر حتى الآن أي بيان توضيحي، سواء لتأكيد الاستقالة أو نفيها، ما يزيد الغموض ويترك المجال مفتوحًا أمام التحليلات والتكهنات.

ويرى مراقبون أن الصمت قد يكون متعمدًا، في محاولة لاحتواء التداعيات، أو التفاوض على صيغة تحفظ استقرار المؤسسة القضائية، دون الاضطرار إلى الدخول في صدام مباشر مع العميري أو خصومه.

هل يُفتح الباب أمام إعادة هيكلة المحكمة الاتحادية؟

في حال تم قبول الاستقالة رسميًا، فإن العراق سيكون أمام سيناريوهات متعددة، أخطرها أن تتحول هذه الخطوة إلى فرصة لإعادة تشكيل المحكمة الاتحادية وفق معادلات سياسية، وهو ما يُخيف قطاعًا واسعًا من الحقوقيين والقانونيين في البلاد.

خاصة وأن تجارب سابقة أظهرت محاولات متكررة من بعض القوى السياسية للسيطرة على المؤسسات المستقلة، عبر التعيينات أو الضغط غير المباشر.

موقف الرأي العام العراقي

على مستوى الشارع العراقي، تبدو ردود الفعل منقسمة. فبينما يرى البعض في الاستقالة خطوة شجاعة من قاضٍ رفض الخضوع للإملاءات السياسية، يرى آخرون أن انسحابه في هذه المرحلة يُعتبر انسحابًا من ساحة الصراع، ويمنح فرصة ذهبية لتسييس القضاء بشكل أوسع.

أما في الوسط القانوني، فقد بدأت نقاشات مكثفة حول مدى تأثير هذه الخطوة على استقلالية المؤسسة القضائية، وإمكانية تكرارها مع قضاة آخرين يواجهون نفس الضغوط.

قراءة مستقبلية: هل يعود العميري للواجهة؟

لا يُستبعد أن تتحول هذه الاستقالة إلى لحظة فارقة في تاريخ القضاء العراقي. فإما أن تُعالج بهدوء ويتم تعيين بديل توافقي، أو أن تفتح الباب لأزمة مفتوحة، خصوصًا إن تم تعيين خلف له بآلية مثيرة للجدل.

في ذات الوقت، هناك من يراهن على أن العميري قد يعود إلى المشهد بعد فترة وجيزة، إما عبر ضغط شعبي أو تدخل رئاسي جديد، خاصة إن تبين أن الاستقالة جاءت احتجاجًا على ظروف عمل غير مقبولة.

ختامًا: لحظة اختبار حقيقية للقضاء العراقي

بغض النظر عن صحة أو نوايا الاستقالة، فإن ما يحدث اليوم في القضاء العراقي يكشف عن خلل بنيوي يتطلب إصلاحًا جذريًا. استقلال القضاء ليس رفاهية، بل ضرورة لاستقرار الدولة، وضمان الفصل بين السلطات.

ولعل استقالة العميري تُعيد تسليط الضوء على ما يحتاجه العراق فعليًا: منظومة قضائية مستقلة، محصنة من الابتزاز، ومحمية من الضغوط، مهما كانت طبيعتها أو مصدرها.

علي شاهين

كاتب مثقف ومتعدد المواهب، يمتلك شغفًا بالمعرفة والاكتشاف. يكتب عن مجموعة واسعة من الموضوعات، من الثقافة والفنون إلى السياسة والاقتصاد. يتميز بأسلوبه الرصين والتحليلي الذي يضيف قيمة معرفية للقارئ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !