أسباب سحب الجنسية من 129 شخصًا في الكويت… ماذا يحدث؟

في خطوة غير مسبوقة، سجّلت الكويت واحدة من أوسع عمليات سحب الجنسية في تاريخها الحديث، بعد إصدار خمس مراسيم أميرية نشرت في الجريدة الرسمية «الكويت اليوم»، أفضت إلى إسقاط وسحب الجنسية من 130 فردًا، وسط حالة من الترقب والتساؤل داخل الأوساط السياسية والقانونية.

الحدث أثار موجة من الجدل في الشارع الكويتي، ليس فقط بسبب العدد، بل أيضًا لطبيعة التوقيت، والغموض الذي أحاط بالأسباب. هل هناك موجة تطهير إداري؟ هل تم كشف شبكات تزوير؟ أم أن الأمر جزء من مراجعة أشمل لملف الجنسية والتجنيس في الكويت؟

المقال التالي لا يكتفي بسرد التفاصيل الرسمية، بل يذهب أبعد لتحليل ما وراء الأرقام، واستعراض السيناريوهات المحتملة لتفسير هذا التحرك المفاجئ.

المراسيم الخمسة: أرقام تكشف حجم الإجراء

وفقًا لما ورد في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، تم توقيع 5 مراسيم أميرية تحمل الطابع السيادي، تتضمن التالي:

  • إسقاط الجنسية عن شخص واحد فقط (مرسوم منفصل).
  • سحب الجنسية من شخص آخر ومن نالها بالتبعية (المرسوم الثاني).
  • سحب الجنسية من 4 أشخاص مع التابعين لهم (المرسوم الثالث).
  • المرسوم الرابع شمل 10 أشخاص ومن اكتسبوها معهم بالتبعية.
  • المرسوم الخامس هو الأوسع، وشمل 114 شخصًا مع التابعين لهم.

المجموع: 129 حالة سحب، وحالة واحدة إسقاط مباشر، لتبلغ الحصيلة الكلية 130 شخصًا تم تجريدهم من الجنسية.

ما الفرق بين “الإسقاط” و”السحب”؟

على المستوى الدستوري، الفارق دقيق لكنه مهم للغاية. “إسقاط الجنسية” غالبًا ما يتم بحق أشخاص يُعتبرون قد خانوا الثقة أو ارتكبوا أفعالًا تمس أمن الدولة، بينما “سحب الجنسية” يُطبّق حين تُمنح الجنسية بناءً على بيانات غير صحيحة أو عبر وسائل مخالفة للقانون.

ويُلاحظ أن أغلب المراسيم الأخيرة تتعلق بالسحب لا الإسقاط، ما قد يشير إلى مراجعة إدارية واسعة لملف الجنسية، ربما تشمل عمليات تدقيق تعود لعقود سابقة.

من هم المتضررون؟ وأين التبعية في كل ذلك؟

مصطلح “من اكتسبها معهم بالتبعية” يتكرّر في كل مرسوم تقريبًا. وهذا يشير إلى أن الأثر القانوني يمتد ليشمل الزوجات، الأبناء، وربما الإخوة الذين نالوا الجنسية لاحقًا بناءً على رب الأسرة.

هذا يثير حالة من الجدل: فهل يجب على جميع أفراد الأسرة دفع ثمن خطأ شخص واحد؟ وهل تملك الأسر المتضررة أدوات قانونية للاعتراض أو إعادة النظر في القرارات؟

لماذا الآن؟ التوقيت يحمل دلالات

صدور هذه المراسيم دفعة واحدة وفي توقيت سياسي هادئ نسبيًا يطرح أسئلة. هل هي محاولة لتصفية ملفات قديمة؟ أم استباق لموجة تجنيس جديدة؟

بعض التحليلات تشير إلى أن الحكومة الكويتية تسعى إلى ترتيب البيت الداخلي، خصوصًا في ظل تحولات ديمغرافية كبيرة ومخاوف من التلاعب بالتركيبة السكانية، وهو ملف حساس يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالهوية الوطنية.

ما الذي تقوله القوانين الكويتية؟

ينظم قانون الجنسية الكويتي الصادر عام 1959 إجراءات المنح والسحب، ويمنح السلطة التنفيذية (وتحديدًا الأمير ووزارة الداخلية) صلاحيات واسعة في هذا الشأن. لكن هناك مطالب متزايدة في السنوات الأخيرة بإضفاء طابع قضائي على هذه القرارات، وإتاحة الطعن القانوني للمُتضررين.

الجدير بالذكر أن العديد من المنظمات الحقوقية طالبت بمراجعة شاملة للقانون لضمان عدم التعسف، وأن تُراعى الحالات الإنسانية، خصوصًا عند سحب الجنسية من أفراد عائلة كاملة.

التداعيات القانونية والإنسانية

من يفقد جنسيته في الكويت، يفقد معها حق الإقامة، التعليم المجاني، الرعاية الصحية، العمل في الوظائف الحكومية، وحتى الحصول على أوراق ثبوتية. هذا لا يؤثر على الشخص فقط، بل يمتد إلى أبنائه وأسرته ومستقبله بأكمله.

ورغم أن القوانين الكويتية لا تمنع المتضرر من الطعن، إلا أن الطريق القانوني طويل ومعقّد، وغالبًا ما يواجه عقبات إجرائية وإدارية تُقلل من فرص النجاح.

ردود الفعل: تفاعل واسع وغضب هادئ

على مواقع التواصل الاجتماعي، كان هناك تفاعل واسع مع الخبر. بعض التعليقات أيدت الخطوة بوصفها “تنظيفًا لقوائم غير المستحقين”، بينما عبّر آخرون عن قلقهم من أن تشمل القرارات مستقبلًا أبرياء أو حالات إنسانية تستحق المراجعة لا العقوبة.

صحف ومواقع كويتية اقتصرت على إعادة نشر المراسيم دون تحليل، في حين بدأت أصوات تطالب بشفافية أكبر، وكشف الحيثيات التي بنيت عليها القرارات، لا سيما أنها تمسّ حياة مئات الأشخاص.

خاتمة: ما بعد المراسيم

مهما كانت الخلفيات، ومهما كانت الأرقام، فإن قرار سحب أو إسقاط الجنسية يجب أن يكون في أقصى درجات الشفافية، وأن يُخضع للمراجعة القضائية، وأن يُمنح المتضررون حق الدفاع والتظلم. الجنسية ليست ورقة، بل هوية وكيان ومصير.

وتبقى الأسئلة معلقة: هل تستمر الحكومة في مراجعة ملفات قديمة أخرى؟ هل نرى موجة طعون قانونية؟ وهل سيفتح هذا الباب أمام إصلاح شامل لقانون الجنسية؟ الأيام القادمة وحدها تحمل الإجابة.

محمد علي

صحفي تحقيقي بارع، يتميز بشغفه بكشف الحقائق وإيصالها للجمهور. يمتلك مهارات بحث وتقصي عالية، ويتبع المنهج العلمي في تحليله للأحداث. يتميز بأسلوبه الجريء والمؤثر الذي يدفع القارئ إلى التفكير والتأمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !