عيد الغدير 1446 في اليمن.. عندما تتحول المناسبات إلى ساحات صراع
في كل عام، يعود الجدل العقائدي والسياسي في اليمن ليطفو على السطح مجددًا مع اقتراب موعد عيد الغدير، الذي يحتفل به الشيعة في الثامن عشر من شهر ذي الحجة، ويقابله رفض صريح من قبل الأغلبية السنية التي ترى فيه بدعة لا أصل لها في الشريعة الإسلامية. وفي عام 2025، يُتوقع أن يصادف هذا اليوم تاريخ السبت 14 يونيو، وفقًا للتقويم الهجري الشمسي.
لكن هذه المناسبة لا تقتصر على بعدها الديني، بل تتعداه إلى ما هو أعمق، لتلامس جذور التوترات المذهبية وتفصح عن الاستخدام السياسي للتاريخ والدين، خاصة في ظل سيطرة الحوثيين على أجزاء من البلاد واستغلالهم للمناسبة في التعبئة العقائدية والشرعية لسلطتهم.
ما هو عيد الغدير؟
عيد الغدير هو ذكرى واقعة تاريخية وقعت في منطقة تُدعى “غدير خم” بعد حجة الوداع، حينما خطب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في جمع من المسلمين، ورفع يد علي بن أبي طالب قائلاً: “من كنت مولاه، فعلي مولاه”. ويعتبر الشيعة هذا الحديث دليلاً على تنصيب علي خليفة بعد النبي، بينما يرفض أهل السنة هذا التأويل، معتبرين أن الحديث لا يحمل دلالة سياسية أو إقرارًا بالخلافة.
الخلفية العقائدية للخلاف
الاختلاف حول عيد الغدير ليس جديدًا، بل يمتد إلى قرون من الصراع العقائدي بين السنة والشيعة. فبينما تعتبر الطائفة الشيعية اليوم مناسبة لتأكيد مبدأ الولاية وحق آل البيت في الخلافة، فإن السنة يرون فيها انحرافًا عن الأصول الشرعية وابتداعًا في الدين.
هذا التباين في التفسير يعكس عمق الانقسام في النظرة إلى التاريخ الإسلامي نفسه، حيث يقرأ كل طرف الحادثة من منظور ينسجم مع عقيدته، وينسج حولها الرمزية والمشروعية لأفكاره السياسية والدينية.
عيد الغدير في اليمن: قراءة تاريخية
في اليمن، يُعد الاحتفال بعيد الغدير ظاهرة قديمة تعود إلى الحقبة الزيدية التي حكمت البلاد لقرون. فقد وثقت كتب التاريخ اليمني احتفالات أئمة الزيدية في القرن الحادي عشر الهجري بالغدير، حين كانوا يخرجون بالأعلام والبيارق، ويقيمون المواكب والخطب، مؤكدين على أحقيتهم السياسية والدينية استنادًا إلى هذه الذكرى.
لكن بعد سقوط الدولة الزيدية وتراجع نفوذ الشيعة في اليمن، خفت صوت الاحتفال بهذه المناسبة لعقود، حتى عاد بقوة مع صعود جماعة الحوثي وسيطرتها على صنعاء وأجزاء من شمال اليمن.
عيد الغدير في ظل الحوثيين
تولي جماعة الحوثي المناسبة أهمية قصوى، وتُعتبر بالنسبة لهم عيدًا وطنيًا وعقائديًا يرسّخ فكرة “الولاية”، التي تمثل الأساس الإيديولوجي لسلطتهم. يتم الإعلان عن إجازات رسمية، وتنطلق المسيرات الاحتفالية في صنعاء وصعدة، وتشهد الساحات تجمعات حاشدة يُلقى فيها الشعر وتُتلى الخطب التي تمجّد الإمام علي والولاية.
يستغل الحوثيون المناسبة لبعث رسائل سياسية إلى الداخل والخارج، مفادها أنهم الورثة الشرعيون لنهج آل البيت، وأن سلطتهم ليست فقط عسكرية، بل تمتلك شرعية دينية تمتد جذورها إلى الغدير. وهو ما يُثير حفيظة الحكومة الشرعية التي ترى في هذه الاحتفالات محاولة لفرض هوية مذهبية على بلد متعدد المذاهب.
موقف الحكومة الشرعية من عيد الغدير
تُواجه الحكومة اليمنية الشرعية مناسبة الغدير بتصريحات وتحذيرات متكررة. ففي كل عام، تُصدر وزارة الأوقاف بيانات تُذكر بأن الإسلام لا يعترف إلا بعيدين فقط: الفطر والأضحى. وتعتبر أن الغدير هو “عيد مستحدث” لا سند له في الشريعة، وأن الاحتفال به يؤدي إلى تعميق الانقسامات الطائفية في بلد بحاجة ماسة إلى التماسك لا إلى المزيد من الشرذمة.
في عام 2025، يتوقع أن تُطلق الوزارة حملة منابر قوية، تدعو الخطباء إلى توعية الناس بخطورة استيراد المناسبات الطائفية من خارج النطاق الإسلامي الجامع، وتؤكد على أن وحدة الأمة لا تتحقق إلا بوقف التجاذبات العقائدية المذهبية.
طقوس عيد الغدير في اليمن
في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، لا يقتصر الاحتفال على إلقاء الخطب أو رفع الشعارات، بل يمتد إلى طقوس كاملة تشمل:
- إقامة مهرجانات شعبية تتخللها زوامل وأناشيد تمجّد الإمام علي.
- تسيير مواكب مسلحة وأحيانًا عروض عسكرية في الساحات العامة.
- إلقاء خطب دينية تؤكد مفهوم “الولاية” وترتبط بعقيدة الحوثي.
- إقامة مسابقات ثقافية وفنية خاصة بهذه المناسبة.
- رفع شعارات سياسية تستحضر التاريخ وتربطه بالواقع اليمني.
كيف يرى اليمنيون هذه المناسبة؟
يتباين رأي اليمنيين حول الغدير بشكل واضح، إذ يعتبره أبناء المذهب الزيدي مناسبة دينية وطقسية، بينما ينظر إليه أغلب السنة، خاصة في الجنوب ومناطق الوسط، كمناسبة مذهبية مستوردة وغير ملزمة.
ويقول أحد مشايخ مأرب: “نحن نحترم كل رموز الإسلام، لكن لا نضيف إلى دين الله ما لم يأتِ به، وعيد الغدير لا أصل له لا في السنة ولا في فعل الصحابة”. بينما يقول أحد أئمة المساجد في صنعاء القديمة: “يوم الغدير هو اليوم الذي اكتمل فيه الدين، ومن لا يعترف به فقد ضيّع ركناً من الإيمان”.
تسييس الدين: هل الغدير أداة سياسية؟
ليس خافيًا أن جماعة الحوثي تستخدم عيد الغدير كمنصة لتأكيد شرعية سلطتها وربطها بمفهوم الإمامة. ويتم ربط علي بن أبي طالب بزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي ضمنيًا كامتداد رمزي. ويتم استخدام المناسبة لتعبئة الجماهير وتجنيد أنصار جدد، خاصة من فئة الشباب.
هذا التوظيف السياسي للدين أثار غضب أطراف كثيرة في اليمن، التي ترى أن الصراع تجاوز الطابع السياسي إلى طابع مذهبي يُهدد بانقسام عميق في بنية الدولة والمجتمع.
الخاتمة: هل يصبح الغدير مناسبة توحيد أم شرخ جديد؟
في ظل هذه الأجواء المشحونة، يبرز السؤال الأهم: هل سيظل عيد الغدير في اليمن مجرد مناسبة دينية تُمارَس ضمن حرية المعتقد؟ أم أنه سيتحول إلى ساحة جديدة للصراع وبذرة لانقسام أعمق؟
الجواب رهن بوعي اليمنيين وإصرارهم على حماية النسيج الوطني من التمزق المذهبي، والعودة إلى المشترك الإسلامي الأوسع، بعيدًا عن التوظيف السياسي للمناسبات الدينية.