عيد الغدير 2025/ 1446 بين الشيعة والسنة: الخلاف التأويلي وجذوره
في الثامن عشر من شهر ذي الحجة من كل عام، يحتفل الشيعة حول العالم بما يعرف بـ عيد الغدير، وهو يوم يحمل في طياته أبعادًا تاريخية وعقائدية شديدة التعقيد والجدل بين المذاهب الإسلامية. وبينما يراه أتباع المذهب الشيعي تجسيدًا لحدث مفصلي في التاريخ الإسلامي يمثل إعلان النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولاية الإمام علي، فإن أهل السنة يرونه محطة تاريخية دون دلالة سياسية. في هذا المقال، نستعرض رحلة هذا العيد من النصوص إلى الشعائر، ومن المجالس السرية إلى الاحتفالات العلنية، مرورًا بسجال فقهي وعقائدي ممتد حتى اليوم.
ما هو عيد الغدير؟
يرتبط عيد الغدير بواقعة “غدير خم” التي وقعت – حسب المعتقد الشيعي – بعد حجة الوداع، وفيها خطب النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبًا المسلمين وقال: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”. يرى الشيعة في هذه الخطبة إعلانًا صريحًا لولاية علي بن أبي طالب وتعيينه خليفة من بعد النبي. ولذلك يسمونه أيضًا “عيد الولاية”.
رمزية الاسم: بين الغدير والولاية
استخدام مصطلح “الغدير” للإشارة إلى هذا اليوم يعود إلى المكان الذي حدثت فيه الواقعة، وهو غدير خم، وهو وادٍ به بركة ماء بين مكة والمدينة. أما مصطلح “الولاية” فيحمل دلالة عقدية وسياسية عميقة في الفكر الشيعي، إذ يُعتبر الإمام علي أول أئمة أهل البيت ووصي النبي، حسب اعتقادهم.
عيد الغدير في التراث الشيعي
تشير المصادر الشيعية إلى أن عيد الغدير هو أعظم الأعياد الإسلامية، بل وتعلو مكانته – حسب بعض الروايات – على عيدي الفطر والأضحى. يتم فيه إقامة الولائم، وتبادل الهدايا، وتجديد البيعة للإمام علي كرم الله وجهه. كما يُكثر فيه من الدعاء والصلاة الخاصة، ويقرأ فيه “دعاء الندبة”.
الرؤية السنية لعيد الغدير
يرى أهل السنة والجماعة أن حديث “من كنت مولاه فعلي مولاه” يُفهم على أنه بيان لفضل الإمام علي، وليس نصًا على خلافته. وقد ورد في كتب الحديث الصحيحة، لكن دون أي دلالة على الوصية بالخلافة. وعليه، فإنهم لا يحتفلون بهذا اليوم ولا يعترفون به كعيد ديني.
فتاوى العلماء: فتوى ابن باز نموذجًا
الشيخ عبد العزيز بن باز، المفتي العام الأسبق للمملكة العربية السعودية، نفى وجود أي نص شرعي يُثبت أن النبي أوصى لعلي بالخلافة. وأكد أن ترتيب الخلفاء الراشدين هو إجماع للأمة، ويدعمه قول الإمام علي نفسه حين قال: “خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر”.
عيد الغدير في العصور الإسلامية
بدأ الاحتفال بعيد الغدير يظهر بصورة رسمية في العصر الفاطمي بمصر، ثم اتخذ صبغة رسمية أقوى في العصر الصفوي بإيران، حيث أصبح عيدًا وطنيًا ومذهبيًا. أما في العصر الحديث، فيُقام في النجف الأشرف بالعراق احتفال ضخم يحضره زوار من مختلف دول العالم.
الآية التي تثير الجدل: إكمال الدين
الآية الكريمة: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا” [المائدة: 3]، تُعتبر دليلاً رئيسيًا لدى الشيعة في دعم مناسبة الغدير. ويعتقدون أنها نزلت في هذا اليوم تأكيدًا لإتمام الدين بولاية الإمام علي. بينما يرى أهل السنة أنها نزلت يوم عرفة أثناء خطبة حجة الوداع.
أصل الاحتفال: بدعة أم سنة؟
يُصنف أهل السنة الاحتفال بعيد الغدير ضمن البدع المحدثة، حيث لم يرد عن النبي أو الصحابة أو التابعين أي ممارسة لهذا العيد. كما أن أول احتفال علني به يعود إلى سنة 352 هـ في عهد معز الدولة البويهي ببغداد.
الطقوس الشيعية في عيد الغدير
- تبادل التهاني والزيارات العائلية.
- قراءة الأدعية الخاصة مثل دعاء الندبة.
- إقامة مجالس المديح والولاء للإمام علي.
- إحياء المناسبة في المساجد والحسينيات.
عيد الغدير في اليمن وإيران والعراق
في اليمن، تحتفل الطائفة الزيدية بهذه المناسبة بطابع ثقافي ومذهبي، بينما في إيران يُعتبر عيدًا رسميًا تُغلق فيه الدوائر الحكومية وتُقام فيه عروض ومهرجانات. في العراق، يتحول إلى احتفال شعبي وديني كبير خاصة في النجف وكربلاء.
صراع التفسيرات: نصوص مشتركة وتأويل مختلف
جوهر الخلاف بين السنة والشيعة حول عيد الغدير يتمثل في تأويل النصوص. فكلا الطرفين يملكان نصوصًا مشتركة، لكن تأويلها يختلف جذريًا. بينما يعتبرها الشيعة دليلًا على التنصيب السياسي، يراها السنة توجيهًا أخلاقيًا وإشارة إلى المحبة والفضل.
الخاتمة: عيد الغدير كمرآة للهوية المذهبية
يعكس عيد الغدير في جوهره انقسامًا مذهبيًا ممتدًا، يتجاوز الحدث التاريخي ليصبح رمزًا للهوية الدينية والسياسية. وبينما يستمر الجدل بين المذاهب حول دلالات الحدث، يظل عيد الغدير مناسبة حية تحتفي بها الملايين، وتعيد طرح سؤال: من يملك حق التفسير؟