سبب وفاة عادل يوسف الحقيقي.. كروان الإذاعة التونسية يترجل في صمت

لم يكن صباح الأحد في تونس عاديًا، فقد استيقظ الناس على خبر وفاة رجلٍ لطالما رافقهم عبر الأثير، دخل بيوتهم كل صباح ومساء، وصار صوته جزءًا من الذاكرة الجماعية للبلاد. إنه الإذاعي الكبير عادل يوسف، أو كما لقّبته الجماهير “كروان الإذاعة التونسية”، الذي رحل عن عالمنا بهدوء عن عمر ناهز 85 عامًا، بعد أكثر من نصف قرن قضاها في خدمة الكلمة والصوت والإعلام.

لم يكن عادل يوسف مجرد مذيع، بل كان مدرسةً صوتيةً متكاملة، وأرشيفًا حيًا لصوت تونس، من حقبة ما بعد الاستقلال وحتى الألفية الجديدة. ومع كل برنامج قدمه، كان ينسج علاقة وجدانية نادرة بينه وبين مستمعيه، علاقة لا تنتهي حتى بعد انطفاء الميكروفون.

من هو عادل يوسف ويكيبيديا السيرة الذاتية لكروان الإذاعة

  • الاسم الكامل: عادل عوض عبد اللطيف
  • الاسم المهني: عادل يوسف
  • تاريخ الميلاد: 29 أكتوبر 1939
  • تاريخ الوفاة: الأحد، 11 مايو/ أيار 2025
  • الأصول: أب مصري – أم تونسية
  • الوظيفة: إذاعي ومقدّم برامج
  • سنوات النشاط: 1952 – 2005
  • اللقب: كروان الإذاعة التونسية

ولد عادل يوسف من أب مصري وأم تونسية، وترعرع في بيئة كانت تموج بالثقافة والأدب والإعلام، ما ساعده على تنمية موهبة الإلقاء منذ نعومة أظافره. دخل الإذاعة لأول مرة عام 1952، وهو لم يتجاوز سن الثالثة عشرة، وانطلق في مشوار إعلامي نادر، قلّ أن نجد له نظيرًا من حيث الامتداد الزمني والتأثير المعنوي.

بداية المسيرة.. صوت ناشئ يصنع الفارق

بدأ عادل يوسف عمله الإذاعي في سن مبكرة داخل الإذاعة التونسية بقسم التنشيط، لكنه انقطع عن العمل لمدة ثلاث سنوات بين 1956 و1959، وهي فترة شهدت تغيرات سياسية كبرى في تونس بعد الاستقلال. عاد بعدها بقوة، وكأن القدر كان يهيئه لمرحلة جديدة من النضج الإذاعي، وواصل عمله بلا انقطاع حتى تقاعده عام 2005.

أول برنامج له.. “مرادفات”

حمل أول برامجه عنوان “مرادفات”، وكان يقرأ فيه نصوصًا لغوية وأدبية بأسلوب فني جذب انتباه المستمعين والنقاد معًا. لم يكن برنامجه مجرد قراءة للنصوص، بل كان درسًا في الإلقاء والتذوق اللغوي والبلاغة، واستمر يقدم فيه حتى انطلقت برامجه الأخرى الأشهر.

برنامج “عبرة ونغم”.. حين يتحول الصوت إلى حياة

من أبرز أعماله البرنامج الشهير “عبرة ونغم”، الذي جمع بين الحكمة والموسيقى، بين الرسالة الأخلاقية والذوق الفني، وكان يُبث بشكل دوري ويحظى بجماهيرية واسعة. في هذا البرنامج، لم يكن عادل يوسف مجرد قارئ، بل كان راويًا، مؤلفًا، ومرشدًا.

“تحية الغروب”.. ثم “رمضان ملء قلوبنا”

لم يكن حضور عادل يوسف في رمضان عادياً، فقد أصبح طقسًا إذاعيًا مقدسًا للكثير من العائلات التونسية. بدأ برنامجه الرمضاني تحت عنوان “تحية الغروب”، الذي تحول لاحقًا إلى “رمضان ملء قلوبنا”، ودام أكثر من 40 عامًا دون انقطاع.

كان البرنامج يُبث قبيل موعد الإفطار، ويجمع بين التأملات الروحانية، والقصص الاجتماعية، والإنشاد، مما جعل من صوته جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة الرمضانية لجيل كامل.

برامج أخرى لا تُنسى.. الشعر والموسيقى والنصوص الرفيعة

شارك عادل يوسف بصوته وأدائه في عدد من البرامج الإذاعية الشهيرة، منها:

  • “نقوش على سطح الذاكرة” مع الإعلامي بوراوي بن عبد العزيز.
  • “أغنية وقصيد” الذي كان يقرأ فيه نصوص الشاعر جعفر ماجد.
  • “إشراقة الصباح”، البرنامج اليومي الذي أطل به على مستمعيه كل صباح.

كل هذه البرامج أعطت للمذياع التونسي بعدًا ثقافيًا عميقًا، وكانت المساحة التي أبدع فيها صوت عادل يوسف بحضوره الأخلاقي والفني.

سبب وفاة عادل يوسف عن 85 عامًا.. ماذا حدث؟

أكدت مؤسسة الإذاعة التونسية خبر الوفاة عبر صفحتها الرسمية بموقع “فيسبوك”، مشيرة إلى أن الفقيد توفي صباح الأحد بعد صراع مع الشيخوخة وأمراض مزمنة في القلب والجهاز التنفسي، دون الإشارة إلى مرض معين أدى إلى الوفاة.

وذكرت مصادر مقربة من العائلة أن الإذاعي الراحل كان قد دخل المستشفى منذ عدة أيام، حيث تدهورت حالته الصحية تدريجيًا، إلى أن فاضت روحه بهدوء، تمامًا كما كانت حياته كلها.

ردود الفعل.. تونس تودع صوتها الذي لن يُنسى

جاءت ردود الأفعال حزينة وواسعة، خاصة في الأوساط الإعلامية والثقافية التونسية، حيث كتب زملاؤه ومحبوه:

  • “برحيلك، غابت الإذاعة عن ألقها.”
  • “صوتك كان النور في غروب رمضان.”
  • “نشكرك لأنك منحت للكلمة قدسيتها.”

وقامت مؤسسة الإذاعة التونسية بنعيه رسميًا قائلة:

  • “فقدنا اليوم أحد أعمدة الإذاعة الثقافية في تونس، الرجل الذي منح صوته لخدمة القيم والجمال والمعرفة.”

هل ترك تلاميذ ومُريدين؟ نعم.. ومدرسة في الإلقاء باقية

رغم اعتزاله العمل الإذاعي منذ 2005، إلا أن تأثيره ظل ممتدًا. كثير من مذيعي الجيل الجديد اعترفوا أنهم تعلموا من أدائه، ودرسوا نبراته، ونسق جمله، وطريقة تنفسه أثناء التقديم. وقال أحدهم:

  • “كنت أكتب نصوصي وأتخيل كيف كان سيلقيها عادل يوسف.. كان هو المعيار.”

ما الذي ميّز أداء عادل يوسف؟

  • صوته العميق الواثق.
  • نبرة هادئة تلامس الروح دون ضجيج.
  • التوازن بين الإلقاء الكلاسيكي والإحساس المعاصر.
  • قدرته على التحكم بالوقفات والنقلات النغمية.
  • احترام المستمع دون مبالغة أو تكلّف.

لحظة الوداع.. جنازة هادئة لرجل عظيم

تم تشييع جثمان الفقيد في مقبرة الجلاز بالعاصمة تونس، وسط حضور عدد من الإعلاميين والمثقفين وأفراد عائلته. ورغم عدم تنظيم جنازة رسمية ضخمة، إلا أن الأثر المعنوي كان بالغًا، وكتب أحد الحاضرين:

“رحل بهدوء، تمامًا كما عاش، لكنه ترك ضجيجًا في القلب.”

خاتمة: بعض الأصوات لا تموت.. بل تتردد إلى الأبد
قد يرحل الإنسان، ويغيب الجسد، وتغلق صفحة من التاريخ، لكن بعض الأصوات تبقى. تظل تسكن الذاكرة، وتتردد بين الجدران، وتُستعاد في كل لحظة حنين.

عادل يوسف، كروان الإذاعة التونسية، لم يكن مجرد مذيع، بل كان جزءًا من هوية صوتية وطنية، وصانع ذاكرة ثقافية ستعيش طويلاً.
وداعًا أيها الصوت الأصيل.. نم قرير العين.

منى الشريف

كاتبة متعددة المواهب، تمتلك قدرة استثنائية على الغوص في أعماق المعرفة واستكشاف مختلف جوانب الحياة. تتميز بأسلوبها السلس والمشوق، وقدرتها على تبسيط المفاهيم المعقدة وتقديمها للقارئ العربي بأسلوب سهل الفهم. تغطي منى طيفًا واسعًا من المواضيع، بدءًا من القضايا الاجتماعية والسياسية وصولًا إلى العلوم والتكنولوجيا والفنون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !